http://www.aljazeera.net/NR/exeres/126F86DC-91A0-43E7-9F18-F3819EEB5D62.htm
|
|||
وتحظى البرازيل باهتمام عالمي خاصة بعد أن أثبت اقتصادها صموده بشكل أثار الإعجاب خلال الأزمة المالية لعامي 2008 و2009. فضلا عن ذلك أسهمت كاريزما الرئيس البرازيلي “لولا” في تفعيل الوجود البرازيلي على الساحة الدولية. وتهدف الحكومة البرازيلية إلى الحصول على مقعد دائم في مجلس الأمن، وزيادة وزنها في البنك وصندوق النقد الدوليين، فضلا عن طموحها للعب دور أكثر حضورا في مجموعة العشرين. ويشير العديد من المحللين إلى أن التهديد الرئيس للبرازيل يكمن في عدم قدرتها على تحقيق زعامة إقليمية. ورغم البلاغة الخطابية للرئيس “لولا” إلا أن البرازيل -وهي أكبر دول قارة أميركا الجنوبية مساحة وأعظمها سكانا- ما تزال غير قادرة على تجميع جيرانها في توائم إقليمي تحت ريادتها. وما زال الاتحاد الجمركي المعروف باسم ميركوسورMERCOSUR اتحادا غير مكتمل وحظوظه ضعيفة في تحقيق تقدم. أما الأوناسور UNASUR (اتحاد دول أميركا الجنوبية) فليس سوى تحالف إقليمي يتسم بالعمومية والشمولية لدرجة تجعله يقبل أي شيء. وفي هذا التحالف ما يزال الزعيم الفنزويلي هوغو شافيز يثير “القلاقل”، وتجد البرازيل نفسها عاجزة عن تحقيق أي استقرار أو ممارسة تأثير على جيرانها. تعد البرازيل أكبر وأهم دولة في قارة أميركا الجنوبية؛ حيث يشكل سكانها 35 % من إجمالي سكان القارة، وتمثل مساحتها 47 % من إجمالي مساحتها، كما أن الناتج المحلي الإجمالي للبرازيل يمثل ثلث الناتج المحلي الإجمالي للقارة بأسرها. ومع ذلك تبدد البرازيل هذه الفرصة التي يمكن من خلالها التأكيد على أنها قادرة على ريادة القارة إقليميا، وهو المطلب الأساس للأمة البرازيلية التي تحلم بالوصول إلى مصاف الدول العظمى. هل يمكن القول: إن البرازيل تخسر بعدم قدرتها على التأثير في الجيران؟ الإجابة نعم بالتأكيد. فضعف قدرة البرازيل على التأثير على حكومات دول الجيران يقلل من الأفق الذي يمكن أن تنطلق من خلاله لمواجهة التهديدات الإستراتيجية التي تحيط بها، خاصة تلك التهديدات التي تتطلب التعاون مع الأطراف المجاورة. ولأن الخطاب “الجيوبوليتيكي” الكلاسيكي المنادي بالحذر من تهديدات الخضوع للشيوعية والإمبريالية الرأسمالية قد انتهى، فإن تهديدات أخرى مثل التدهور البيئي وتجارة المخدرات والعنف وما يرتبط به من جرائم تطل برأسها هذه المرة. وعلى نحو ما أن قوة الجيران قد تكون تهديدا، فإن ضعف الجيران يمثل تهديدا أيضا؛ ذلك لأن الدول الضعيفة قد لا تكون قادرة على تقديم الحد الأدنى المطلوب لإقرار الاستقرار العام على المستوى الإقليمي؛ فعلى سبيل المثال، بوسع حالات العنف والفوضى التي قد تنشأ في بوليفيا أن تمتد دون شك إلى الأراضي البرازيلية، وقد يخيف ذلك المستثمرين في البرازيل. صحيح أن البرازيل قوية وتزداد قوة، لكن جيرانها ضعفاء، وربما يزدادون ضعفا. وفي هذا السياق تواجه البرازيل واحدة من أكبر مهدداتها الأمنية. لعل أكبر عامل سبَّب نزاعا واسع المدى في قارة أميركا الجنوبية ما وقع سابقا بين الأرجنتين والبرازيل؛ فخلال الحرب الباردة، أعرب كل طرف عن مصالحه الإقليمية على مستوى الأمن الخارجي. وأدت الحركات القومية وضعف الثقة بين دول النظم العسكرية الاستبدادية في القارة إلى سباق تسلح وصل إلى ذروته حين حاولت كل من البرازيل والأرجنتين تطوير أسلحة نووية. لكن النهج البراغماتي في السياسة الخارجية سرعان ما أدى إلى توقيع معاهدة تلاتيلولكو Tlatelolco (والتي وُقعت في 1967، وتم تنفيذها فعليا في 1969) ونصت على منع امتلاك السلاح النووي في القارة، ومهدت لعودة الديموقراطية في ثمانينيات القرن العشرين، ثم أكملت ميركوسور المهمة في عام 1991 (معاهدة أسينسيون) ونقلت منهج العلاقة بين دول القارة من الصدام إلى التعاون. ومنذ ذلك الحين اختفت من الناحية العملية احتمالية نشوب نزاع بين الأرجنتين والبرازيل، وعلى الرغم من تكرار نشوب نزاعات تجارية بين الجانبين، إلا أن العلاقة بينهما سلمية، حتى إن القوات المسلحة للدولتين عادة ما تتناوب على استخدام التجهيزات العسكرية للدولة الأخرى بشكل تعاوني(2). ومع التسليم بوجود عثرات أمامها لتحرير التجارة إلا أن ميركوسور قد أثبتت فائدتها الكبيرة للعلاقات الأرجنتينية البرازيلية، بحيث شكلت قاعدة أساسية وخلقت آليات للحد من التوتر بين الجانبين. وفي حقيقة الأمر فإن تراجع معدل التوتر العسكري أو احتمال نشوب نزاع مسلح بينهما إلى درجة الصفر لم يكن ناتجا في الواقع عن الروابط الاقتصادية القوية بين الجانبين، بقدر ما كان السبب هو التعاون بين الجانبين عند مستويات متعددة، والرغبة في تحقيق مصالح مشتركة. وعلى الرغم من أن البرازيل قد توصلت لحل كافة نزاعاتها الحدودية، ما يزال هناك تهديد مصدره النزاع بين الدول الجيران في القارة، خاصة أن كافة دول قارة أميركا الجنوبية (باستثناء البرازيل) لديها نوع أو آخر من النزاع الحدودي مع دولة واحدة على الأقل من دول الجوار(3). وبينما تمكنت دول النصف الجنوبي من القارة (المعروفة باسم المخروط الجنوبي) من حل مشكلاتها الأمنية ما تزال دول النصف الشمالي للقارة بعيدة عن ذلك بعدا كبيرا؛ إذ ما تزال أجواء عدم الثقة تسيطر على العلاقات بين دول المنطقة(4). وإذا كان النزاع بين بيرو والإكوادور قد اشتعل في عام 1995، إلا أن علاقاتهما قد تحسنت منذ ذلك الحين. ويتمثل المصدر الأكبر للتوتر في القارة اليوم بين كولومبيا وفنزويلا؛ فعلى الحدود المشتركة بينهما تجري عمليات هجرة غير شرعية، وانتشار لتجارة المخدرات وأنشطة العصابات المسلحة. وقد رصد بعض المحللين مؤخرا زيادة في الإنفاق على برامج التسلح في الإقليم، فيما يعتبر مؤشرا على سباق للتسلح. وعلى خلاف بقية دول القارة، فإن البرازيل نأت بنفسها عن الانخراط في أي نوع من هذه المشكلات. وليس هناك دولة من دول الجوار لديها المبرر أو القدرة على تشكيل خطر مهدد للبرازيل. ومن غير المنتظر أن يحدث تغير في تلك الأوضاع في المستقبل(5). وخارج قارة أميركا الجنوبية، لا تواجه البرازيل أية تهديدات من أية دولة في العالم؛ فالقوى الكبرى مثل الولايات المتحدة أو الصين أو القوة الأوربية ليس لها مصالح في الهجوم على البرازيل. كانت البرازيل خلال الحرب الباردة قد اعتبرت الاتحاد السوفيتي مصدر تهديد لها، لكن من الناحية العملية لم تتخذ أية احتياطات أو تدابير عملية لمواجهته نظرا لوقوع البرازيل تحت المظلة الأمنية للولايات المتحدة. وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي، تبدد هذا التهديد كلية. وحين تم اكتشاف احتياطات نفطية ضخمة على أعماق بعيدة من الساحل البرازيلي في المحيط الأطلسي الجنوبي، لم يكن هناك قلق أو تساؤل حول قدرة البرازيل على حماية حدودها البحرية في حدود 200 ميل أمام خط ساحلي يبلغ طوله 7500 كم؛ إذ ليس هناك قوة عظمى أو صغرى مجاورة قد تنازع البرازيل ثروتها الجديدة.
وفي الوقت الذي تقع فيه القوى الأوربية والآسيوية بعيدة جدا عن أميركا الجنوبية بما لا يشكل تهديدا أمنيا للبرازيل؛ فإن العلاقات الأمنية بين البرازيل والولايات المتحدة تتسم بقدر من التعقيد والتشابك. فمن الناحية التاريخية تعاملت الولايات المتحدة بسبل مختلفة تجاه الخلل الأمني في أميركا الجنوبية ففي بعض الحالات كانت الولايات المتحدة تقرر التدخل عسكريا على نحو ما فعلت في أميركا الوسطى والكاريبي في ثمانينيات القرن العشرين. وفي حالات أخرى فضلت عدم التدخل حين نشبت توترات بين شيلي والأرجنتين في سبعينيات ذلك القرن. وحتى وقت قريب كان هناك تفكير دائم، حتى في البرازيل، بشأن توقع الخطوة التي ستتخذها الولايات المتحدة بالتدخل أو عدم التدخل في الأحداث التي تشهدها القارة. وفي الوقت الذي لا تلعب فيه المهددات الواقعة خارج القارة دورا له قيمة في التفكير الإستراتيجي البرازيلي، فإن الولايات المتحدة كانت على الدوام مصدر تهديد للبرازيل تحت أقنعة مختلفة، وخاصة ما تمثله اليوم من تهديد للسيطرة على حوض الأمازون ولا سيما موارده من المياه العذبة. وقد لا يعدو هذا التهديد أن يكون أحد موروثات “جنون العظمة” المتخلفة عن عهد النظم المستبدة التي حكمت البرازيل سابقا، وكانت تحشد أفواجا من الجماهير تهتف بشعار “متوحدون معا، ولن نستسلم”. وكانت تلك الحكومات تزعم آنذاك أن القوى الخارجية ستحاول السيطرة على الأمازون. وحتى حينما قال آل جور -حين كان عضوا في مجلس الشيوخ-: إنه “بغضِّ النظر عما يعتقده البرازيليون؛ فإن الأمازون ليس ملكية خاصة بهم، إنه ملك لنا جميعا” فإن ذلك لا يعني أن هناك دولة لديها الرغبة، ولا القدرة، لاحتلال غابات الأمازون. كما أن الاتفاق الكولومبي الذي سمح للولايات المتحدة باستخدام بعض قواعدها العسكرية لا يمثل -على خلاف ما صرح “لولا” في غير مرة- أية تهديد إستراتيجي للبرازيل. وعلى هذا يمكننا القول بقدر كامل من الثقة: إن البرازيل لا تعاني مطلقا من أية مهددات من قبيل النزاعات الدولية. |
Read also:
Brazil and the responsibility while protecting
Turkey’s rise: Praise and caution
Featured Photo credit: Yeonhap News